صنعاء- سبأ: عبدالعزيز الحزي
أثارت عمليات قتل مواطنين أمريكيين من ذوي البشرة السوداء على أيدي رجال شرطة من البيض غضبا واهتماما كبيرا في الولايات المتحدة وفي العالم في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد مقتل جورج فلويد عام 2020 عندما جثا شرطي أبيض في مينيابوليس على عنقه حتى مات اختناقًا.
كما أثارت العديد من الوقائع والجرائم المؤلمة والعنصرية دعوات إلى الاحتجاج ومخاوف من احتمال حصول اضطرابات وأحدثت تلك المأساة تظاهرات لحركة "بلاك لايفز ماتر" (حياة السود مهمة) ضد العنصرية وعنف الشرطة.
وتشير التقارير الى أنه رغم إلغاء الفصل العنصري في الولايات المتحدة عام ١٩٦٤، بيد أن هذه الظاهرة لا تزال جمرا تحت الرماد بأشكال مختلفة تبدأ من اللون ولا تنتهي بالتمييز على أساس الدين والمعتقد.
وما زالت العنصرية وأشكال التمييز المختلفة ضد السود والأقليات العرقية الأخرى، موجودة وما زالت تشهد الولايات المتحدة بين كل فترة وفترة مظاهرات واحتجاجات تصل أحيانا لأعمال عنف لمواجهة العنصرية والتمييز.
وتتهم الشرطة الأمريكية من قبل كثير من المؤسسات الحقوقية باستخدام العنف المفرط ضد المواطنين من أصل إفريقي، ولا تتوانى عن ارتكاب "انتهاكات جسيمة" خلال فضّ التجمعات والمظاهرات، وسط غياب العقاب الرادع للمتورطين في هذه القضايا.
وتتمتع الشرطة الأمريكية بسجل حافل بقتل أشخاص باستخدام الرصاص والضرب والتقييد والخنق والصعق الكهربائي، بالإضافة إلى استخدامها الغاز والرصاص المطّاطي في فضّ الاحتجاجات.
وعرضت مدينة ممفيس الأمريكية في الفترة الماضية تسجيلا مصورا لسائق سيارة أسود يدعى تاير نيكولاس أثناء تعرضه للضرب المبرح على يد خمسة من ضباط الشرطة بعد أن أوقفوا سيارته، فيما دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن المحتجين للحفاظ على سلمية احتجاجاتهم، معربا عن تفهمه لغضبهم.
وظهر نيكولاس، الذي توفي لاحقا متأثرا بجراحه، في التسجيل المصور وهو يصرخ قائلا: "أمي.. أمي"، بينما كان الضباط الخمسة -وجميعهم من أصحاب البشرة السوداء مثله- ينهالون عليه باللكمات والهراوات.. وتم نشر التسجيل المصور على الإنترنت وجرى تصويره من خلال الكاميرات التي يضعها أفراد الشرطة على أجسادهم ومن كاميرات أخرى.
إحصائيات صادمة:
وفقاً لمجموعة “Mapping Police Violence”، وهي مجموعة بحثية غير ربحية، قتلت الشرطة ما يقرب من 1100 شخص كل عام منذ عام 2013.. ففي عام 2021 قتل ضباط الشرطة 1136 شخصاً، وهو أحد أكثر الأعوام دموية على الإطلاق في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من التنوع بين الجماعات التي تعرضت لوحشية الشرطة في الولايات المتحدة، فإن الغالبية العظمى من الضحايا كانوا أمريكيين من أصل إفريقي.. وفي تقدير معظم الخبراء، فإن العامل الرئيسي الذي يفسّر هيمنة الأمريكيين الأفارقة بين ضحايا وحشية الشرطة هو العنصرية المضادة للسود بين أعضاء أقسام الشرطة البيضاء في الغالب.
ووفقا لمعلومات جمعها موقع "خرائط الشرطة الأمريكية"، المتخصص برصد انتهاكات العنف للشرطة المحلية، يتعرض السود، الذين يشكّلون 13.4 في المائة فقط من سكان البلاد، لعنف الشرطة أكثر من البيض مرتين ونصفاً.
الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد:
الاحتجاجات الغاضبة من وحشية الشرطة ضد السود لعقود من الزمن، انتشرت بسرعة من مينيابوليس إلى مدن أخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وبدأت الاحتجاجات وسط الغرب، بعد أن قام ضابط شرطة بتكبيل جورج فلويد والضغط على رقبته بركبته.. وواصل الأمر رغم صراخ فلويد وهو رجل أسود يبلغ من العمر 46 عاما، بأنه لا يستطيع التنفس، إلى أن فارق الحياة.
وامتدت التحركات التي انطلقت من داخل مجتمعات السود في الولايات المتحدة إلى العديد من البلدان الأخرى وشارك فيها أقليات عرقية مختلفة تواجه أشكالا مماثلة من التمييز ومنها الجالية العربية في أمريكا.
كما امتدت الاحتجاجات أيضا إلى كندا المتاخمة للولايات المتحدة من الشمال حيث نزل الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع في فانكوفر وتورنتو.
وفي العاصمة الألمانية برلين، تجمع المغتربون الأمريكيون ومتظاهرون آخرون خارج السفارة الأمريكية.
وفي عاصمة بريطانيا لندن، ركع المتظاهرون في ساحة ترافالغار قبل أن يسيروا أمام البرلمان ويتوقفوا أمام السفارة الأمريكية.
واحتدمت الاحتجاجات في العاصمة الأمريكية واشنطن بعد أن بدء سريان حظر التجول في الساعة 11 ليلا.. وتجمع أكثر من 1000 متظاهر في حديقة لافاييت قبالة البيت الأبيض، وأضرمت بعض النيران خارج مقر إقامة الرئيس السابق دونالد ترامب.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، أن المخابرات نقلت ترامب إلى مخبأ محصن كإجراء احترازي.
ومددت نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو وميامي وديترويت وواشنطن العاصمة ومدن أمريكية أخرى حظر التجول مع دخول الاحتجاجات الليلة السادسة.
ولاية أريزونا في غرب البلاد فرضت حظرًا للتجوال على مستوى الولاية على مدار أسبوع بعد اشتباك المتظاهرين مع الشرطة.. كما تم نشر حوالي 5000 جندي من الحرس الجمهوري في 15 ولاية أمريكية.
وفي السياق، قالت منظمة العفو الدولية حينها في تقرير لها: إن "الشرطة الأمريكية ارتكبت انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان خلال المهام التي أدّتها للتصدي للمتظاهرين ضد العنصرية خلال الأشهر التي أعقبت مقتل فلويد".
وأشار التقرير إلى أن قوات الأمن الأمريكية كرّرت استخدام العنف الجسدي، وكذلك موادّ كيميائية مثل الغاز المسيل للدموع، وأيضاً رذاذ الفلفل الحارّ، لتفريق احتجاجات سلمية خلال شهري مايو ويونيو 2020.. فيما أدانت المنظمة استخدام الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل في أوج أزمة كوفيد-19.. مشيرة إلى أن ذلك يجبر المتظاهرين على خلع الكمامات لإزالة تلك المواد عن وجوههم.
وجاء في التقرير أيضاً أن المنظمة سجلت "عنفاً مفرطاً، في الغالب، وغير متناسب” في 125 حالة بـ40 ولاية أمريكية وفي العاصمة واشنطن.. لافتاً إلى أن الضحايا لم يكونوا متظاهرين فحسب، بل من قوات الإنقاذ وصحفيين.
العبودية في الولايات المتحدة:
بدأت العبودية في أمريكا الاستعمارية بين القرنين ال17 وال18، وتحديدا عام 1640 في مستعمرة جيمس تاون بفرجينيا لكن تم تبني سياستها بالفعل قبل هذا التاريخ.
واختطف كثير من الناس من قارة إفريقيا وأجبروا على العبودية وعلى العمل في المستعمرات الأمريكية خدما وعمالا بالسخرة في إنتاج محاصيل كالتبغ والقطن.
ويرى الكثيرون أن تاريخ بداية العبودية في أمريكا يعود إلى العام 1619، عندما جلب القرصان وايت ليون 20 عبدا إفريقيا من سفينة العبيد البرتغالية ساو جاو باوتيستا إلى الساحل في مستعمرة جيمس تاون البريطانية في فرجينيا.
وبدأ المستوطنون الأوربيون في القرن ال17 في أمريكا الشمالية باستعباد الأفارقة، وعدوهم مصدرا وفيرا للعمالة، وأرخص من عمال السخرة الذين كان معظمهم من الفقراء الأوربيين.
ومع استحالة تقديم أرقام دقيقة، يُقدِر بعض المؤرخين أن نحو 6-7 ملايين إنسان مستعبد قد جلبوا إلى العالم الجديد في القرن ال18 فقط، ما حرم القارة الإفريقية من خيرة رجالها ونسائها.
وفي القرنين ال17 وال18 عمل الأفارقة المستعبدون في زراعة التبغ والأرز واستنبات النيلة في الساحل الجنوبي لمستعمرات خليج تشيس بيك في ميرلاند وفرجينيا وجورجيا جنوبا.
وعلى الرغم من أن سياسة الاستعباد التملكي لم تسيس في فرجينيا حتى عام 1660، إلا أن مفهومها ومارستها كانا راسخين بالفعل، نظرا لإدخالهما من قبل الأسبان والبرتغاليون في الأمريكتين قبل وصول الإنجليز.
وتم ممارسة العبودية في الأمريكيتين بشكل واسع النطاق من قبل القبائل المحلية فقد استعبدوا أسرى الغارات، الحروب، أو أولئك المتجر بهم بين المجموعات لأسباب مختلفة ولكن لم يكن هناك تجارة للعبيد في حد ذاتها.
واحتجزت مستعمرات نيو إنجلاند والمستعمرات الوسطى عبيدا ولكن ليس بقدر المستعمرات الجنوبية كما كان العمل المطلوب من المستعبدين أكثر كثافة في الجنوب عن الشمال حيث أصبحت العديد من مزارع التبغ، الأرز والقطن الجنوبية معتمدة بشكل كبير على عمل الرقيق، في حين أن المزارع الأصغر في الشمال، التي عادة ما يديرها مزارع وعائلته، لم تقتضي عمل السخرة، على الأقل ليس لدرجة كبيرة. وفي حين أن الرقيق في مستعمرات نيو إنجلاند والمستعمرات الوسطى عملوا بشكل أساسي في الموانىء في تحميل وتفريغ حمولات السفن، أولئك في الجنوب عملوا بشكل كبير في حقول المزارع.
واتبع نظام العبودية في المستعمرات الجنوبية النظام المؤسس من قبل مستمرة باربادوس الإنجليزية.
ويوضح الباحث آلان تايلور بالقول" لأن القانون الإنجليزي لم يوفر أي سابقة لإدارة نظام العبودية العرقية، اضطر سكان بربادوس الى إنشاء قانون الرقيق الخاص بهم، والذي تم منهجته عام 1661.
وأصبح القانون البربادي النموذج المقتدى به بالنسبة للقوانين السارية في المستعمرات الإنجليزية الأخرى، خاصة في جاميكا (1664) وكارولينا (1696)، وكلاهما نشأ كفروع لمستعمرة بربادوس. (213)
القوانين المتبعة:
- لا يسمح لأي عبد بمغادرة المزرعة العامل بها إلا بإذن مكتوب من سيده/ها.
- لا يسمح للعبيد العزف على أي آلة موسيقية، قرع الطبول، نفخ الابواق، أو إصدار أي أصوات عالية قد تدل على التمرد.
- يحق للشخص الأبيض سؤال أي شخص أسود عن وجهته في الشارع كما يحق لهم تفتيشهم، دون الحاجة لسبب، بحثا عن السلاح أو السلع المهربة.
- وتم تشجيع السود للوشاية على زملائهم السود، منع هروبهم، وتسليم الهاربين منهم؛ وتم مكافأتهم بالملابس الجديدة، وبالتعامل معهم بشكل أفضل، ومنحهم "شارة صليب أحمر توضع على الذراع اليمنى ليتم معرفته وتقديره كواحد من الأخيار" (تايلور، 213).
- وتم تأسيس قانون العبيد في جزر الهند الغربية بسبب خوف البيض العميق من أن عبيدهم سيرتدون عليهم وسيقتلونهم. وبحلول عام 1660، كان العبيد غير البيض يفوقون العبيد من البيض عددا في باربادوس بنسبة 27,000 إلى 26,000، كما أظهرت إحصائيات مستعمرات فرجينيا، ميريلاند، كارولينا (المنقسمة فيما بعد الى الشمالية والجنوبية) وجورجيا نسبا مماثلة. يعلق تايلور على هذا قائلا:
ورغم جهود القمع في المستعمرات الجنوبية تجاه السود إلا أن بعض التمردات تنفست، فتمرد ستونو عام 1739 في كارولينا الجنوبية يعد أكبر تمرد قام به العبيد في المستعمرات الثلاثة عشر.
وفي منتصف القرن ال19 أشعل كل من التوسع غربًا وحركة المطالبة بإلغاء العبودية جدلًا كبيرًا حول العبودية، ما أدى إلى إدخال السكان في أتون حرب أهلية مدمرة.
الحرب الأهلية:
وبلغ الجنوب نقطة الانهيار في السنة التالية إثر انتخاب المرشح الجمهوري أبراهام لينكولن رئيسًا، فخلال ثلاثة أشهر انسحبت سبع ولايات من الاتحاد، تبعتها أربع ولايات أخرى بعد اندلاع الحرب الأهلية.
ومع أنه كان من الواضح أن لينكولن لا يقر العبودية، لم يكن إلغاء العبودية الهدف الجوهري للاتحاد في الحرب، بل الحفاظ على الولايات المتحدة بوصفها أمةً واحدة.
ولاحقًا أصبح إلغاء العبودية هدفًا، نظرًا إلى الحاجة العسكرية وتنامي المشاعر المناوئة للعبودية شمالًا والتحرر الذاتي من العبودية لدى الكثيرين مع اجتياح قوات الاتحاد للجنوب.
ومع أن إعلان التحرير لم ينهِ العبودية بالكامل في أمريكا -إذ سيُمرَّر التعديل الثالث عشر بعد نهاية الحرب عام 1865- فإن نحو 186 ألف جندي أسود سينضمون إلى جيش الاتحاد، وسيفقد قرابة 38 ألف منهم حياته.
إرث العبودية:
أقر التعديل ال13 في 18 ديسمبر 1865- رسميًّا قرار إلغاء العبودية، لكن ظلت حالة السود في الجنوب بعد الحرب غير مستقرة، وواجهت الولايات المتحدة تحديات بالغة الأهمية في فترة إعادة الإعمار.
وضمَن الدستور حصول الرجال والنساء المستعبَدين سابقًا على حقوق المواطنة والحماية المتساوية في التعديل ال14، وحق التصويت في التعديل ال15، ولكن نادرًا ما طُبقَت هذه الأحكام من الدستور، وكان من الصعب على المواطنين السود الحصول على فرصة في اقتصاد ما بعد الحرب بسبب القوانين المقيدة والترتيبات التعاقدية الرجعية مثل المشاركة في المحصول.
ومع وجود أحداث غير مسبوقة، تجلَّت في مشاركة السود في الحياة السياسية الأمريكية، فإن فترة إعادة الإعمار كانت عمومًا محبطة للأمريكيين ذوي الأصل الإفريقي، فقد عادت إلى السطح مجددًا الحركة المنادية بتفوق العرق الأبيض، وصعود المنظمات العنصرية مثل كو كلوكس كلان في الجنوب عام 1877.
أثارت عمليات قتل مواطنين أمريكيين من ذوي البشرة السوداء على أيدي رجال شرطة من البيض غضبا واهتماما كبيرا في الولايات المتحدة وفي العالم في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد مقتل جورج فلويد عام 2020 عندما جثا شرطي أبيض في مينيابوليس على عنقه حتى مات اختناقًا.
كما أثارت العديد من الوقائع والجرائم المؤلمة والعنصرية دعوات إلى الاحتجاج ومخاوف من احتمال حصول اضطرابات وأحدثت تلك المأساة تظاهرات لحركة "بلاك لايفز ماتر" (حياة السود مهمة) ضد العنصرية وعنف الشرطة.
وتشير التقارير الى أنه رغم إلغاء الفصل العنصري في الولايات المتحدة عام ١٩٦٤، بيد أن هذه الظاهرة لا تزال جمرا تحت الرماد بأشكال مختلفة تبدأ من اللون ولا تنتهي بالتمييز على أساس الدين والمعتقد.
وما زالت العنصرية وأشكال التمييز المختلفة ضد السود والأقليات العرقية الأخرى، موجودة وما زالت تشهد الولايات المتحدة بين كل فترة وفترة مظاهرات واحتجاجات تصل أحيانا لأعمال عنف لمواجهة العنصرية والتمييز.
وتتهم الشرطة الأمريكية من قبل كثير من المؤسسات الحقوقية باستخدام العنف المفرط ضد المواطنين من أصل إفريقي، ولا تتوانى عن ارتكاب "انتهاكات جسيمة" خلال فضّ التجمعات والمظاهرات، وسط غياب العقاب الرادع للمتورطين في هذه القضايا.
وتتمتع الشرطة الأمريكية بسجل حافل بقتل أشخاص باستخدام الرصاص والضرب والتقييد والخنق والصعق الكهربائي، بالإضافة إلى استخدامها الغاز والرصاص المطّاطي في فضّ الاحتجاجات.
وعرضت مدينة ممفيس الأمريكية في الفترة الماضية تسجيلا مصورا لسائق سيارة أسود يدعى تاير نيكولاس أثناء تعرضه للضرب المبرح على يد خمسة من ضباط الشرطة بعد أن أوقفوا سيارته، فيما دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن المحتجين للحفاظ على سلمية احتجاجاتهم، معربا عن تفهمه لغضبهم.
وظهر نيكولاس، الذي توفي لاحقا متأثرا بجراحه، في التسجيل المصور وهو يصرخ قائلا: "أمي.. أمي"، بينما كان الضباط الخمسة -وجميعهم من أصحاب البشرة السوداء مثله- ينهالون عليه باللكمات والهراوات.. وتم نشر التسجيل المصور على الإنترنت وجرى تصويره من خلال الكاميرات التي يضعها أفراد الشرطة على أجسادهم ومن كاميرات أخرى.
إحصائيات صادمة:
وفقاً لمجموعة “Mapping Police Violence”، وهي مجموعة بحثية غير ربحية، قتلت الشرطة ما يقرب من 1100 شخص كل عام منذ عام 2013.. ففي عام 2021 قتل ضباط الشرطة 1136 شخصاً، وهو أحد أكثر الأعوام دموية على الإطلاق في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من التنوع بين الجماعات التي تعرضت لوحشية الشرطة في الولايات المتحدة، فإن الغالبية العظمى من الضحايا كانوا أمريكيين من أصل إفريقي.. وفي تقدير معظم الخبراء، فإن العامل الرئيسي الذي يفسّر هيمنة الأمريكيين الأفارقة بين ضحايا وحشية الشرطة هو العنصرية المضادة للسود بين أعضاء أقسام الشرطة البيضاء في الغالب.
ووفقا لمعلومات جمعها موقع "خرائط الشرطة الأمريكية"، المتخصص برصد انتهاكات العنف للشرطة المحلية، يتعرض السود، الذين يشكّلون 13.4 في المائة فقط من سكان البلاد، لعنف الشرطة أكثر من البيض مرتين ونصفاً.
الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد:
الاحتجاجات الغاضبة من وحشية الشرطة ضد السود لعقود من الزمن، انتشرت بسرعة من مينيابوليس إلى مدن أخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وبدأت الاحتجاجات وسط الغرب، بعد أن قام ضابط شرطة بتكبيل جورج فلويد والضغط على رقبته بركبته.. وواصل الأمر رغم صراخ فلويد وهو رجل أسود يبلغ من العمر 46 عاما، بأنه لا يستطيع التنفس، إلى أن فارق الحياة.
وامتدت التحركات التي انطلقت من داخل مجتمعات السود في الولايات المتحدة إلى العديد من البلدان الأخرى وشارك فيها أقليات عرقية مختلفة تواجه أشكالا مماثلة من التمييز ومنها الجالية العربية في أمريكا.
كما امتدت الاحتجاجات أيضا إلى كندا المتاخمة للولايات المتحدة من الشمال حيث نزل الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع في فانكوفر وتورنتو.
وفي العاصمة الألمانية برلين، تجمع المغتربون الأمريكيون ومتظاهرون آخرون خارج السفارة الأمريكية.
وفي عاصمة بريطانيا لندن، ركع المتظاهرون في ساحة ترافالغار قبل أن يسيروا أمام البرلمان ويتوقفوا أمام السفارة الأمريكية.
واحتدمت الاحتجاجات في العاصمة الأمريكية واشنطن بعد أن بدء سريان حظر التجول في الساعة 11 ليلا.. وتجمع أكثر من 1000 متظاهر في حديقة لافاييت قبالة البيت الأبيض، وأضرمت بعض النيران خارج مقر إقامة الرئيس السابق دونالد ترامب.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، أن المخابرات نقلت ترامب إلى مخبأ محصن كإجراء احترازي.
ومددت نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو وميامي وديترويت وواشنطن العاصمة ومدن أمريكية أخرى حظر التجول مع دخول الاحتجاجات الليلة السادسة.
ولاية أريزونا في غرب البلاد فرضت حظرًا للتجوال على مستوى الولاية على مدار أسبوع بعد اشتباك المتظاهرين مع الشرطة.. كما تم نشر حوالي 5000 جندي من الحرس الجمهوري في 15 ولاية أمريكية.
وفي السياق، قالت منظمة العفو الدولية حينها في تقرير لها: إن "الشرطة الأمريكية ارتكبت انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان خلال المهام التي أدّتها للتصدي للمتظاهرين ضد العنصرية خلال الأشهر التي أعقبت مقتل فلويد".
وأشار التقرير إلى أن قوات الأمن الأمريكية كرّرت استخدام العنف الجسدي، وكذلك موادّ كيميائية مثل الغاز المسيل للدموع، وأيضاً رذاذ الفلفل الحارّ، لتفريق احتجاجات سلمية خلال شهري مايو ويونيو 2020.. فيما أدانت المنظمة استخدام الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل في أوج أزمة كوفيد-19.. مشيرة إلى أن ذلك يجبر المتظاهرين على خلع الكمامات لإزالة تلك المواد عن وجوههم.
وجاء في التقرير أيضاً أن المنظمة سجلت "عنفاً مفرطاً، في الغالب، وغير متناسب” في 125 حالة بـ40 ولاية أمريكية وفي العاصمة واشنطن.. لافتاً إلى أن الضحايا لم يكونوا متظاهرين فحسب، بل من قوات الإنقاذ وصحفيين.
العبودية في الولايات المتحدة:
بدأت العبودية في أمريكا الاستعمارية بين القرنين ال17 وال18، وتحديدا عام 1640 في مستعمرة جيمس تاون بفرجينيا لكن تم تبني سياستها بالفعل قبل هذا التاريخ.
واختطف كثير من الناس من قارة إفريقيا وأجبروا على العبودية وعلى العمل في المستعمرات الأمريكية خدما وعمالا بالسخرة في إنتاج محاصيل كالتبغ والقطن.
ويرى الكثيرون أن تاريخ بداية العبودية في أمريكا يعود إلى العام 1619، عندما جلب القرصان وايت ليون 20 عبدا إفريقيا من سفينة العبيد البرتغالية ساو جاو باوتيستا إلى الساحل في مستعمرة جيمس تاون البريطانية في فرجينيا.
وبدأ المستوطنون الأوربيون في القرن ال17 في أمريكا الشمالية باستعباد الأفارقة، وعدوهم مصدرا وفيرا للعمالة، وأرخص من عمال السخرة الذين كان معظمهم من الفقراء الأوربيين.
ومع استحالة تقديم أرقام دقيقة، يُقدِر بعض المؤرخين أن نحو 6-7 ملايين إنسان مستعبد قد جلبوا إلى العالم الجديد في القرن ال18 فقط، ما حرم القارة الإفريقية من خيرة رجالها ونسائها.
وفي القرنين ال17 وال18 عمل الأفارقة المستعبدون في زراعة التبغ والأرز واستنبات النيلة في الساحل الجنوبي لمستعمرات خليج تشيس بيك في ميرلاند وفرجينيا وجورجيا جنوبا.
وعلى الرغم من أن سياسة الاستعباد التملكي لم تسيس في فرجينيا حتى عام 1660، إلا أن مفهومها ومارستها كانا راسخين بالفعل، نظرا لإدخالهما من قبل الأسبان والبرتغاليون في الأمريكتين قبل وصول الإنجليز.
وتم ممارسة العبودية في الأمريكيتين بشكل واسع النطاق من قبل القبائل المحلية فقد استعبدوا أسرى الغارات، الحروب، أو أولئك المتجر بهم بين المجموعات لأسباب مختلفة ولكن لم يكن هناك تجارة للعبيد في حد ذاتها.
واحتجزت مستعمرات نيو إنجلاند والمستعمرات الوسطى عبيدا ولكن ليس بقدر المستعمرات الجنوبية كما كان العمل المطلوب من المستعبدين أكثر كثافة في الجنوب عن الشمال حيث أصبحت العديد من مزارع التبغ، الأرز والقطن الجنوبية معتمدة بشكل كبير على عمل الرقيق، في حين أن المزارع الأصغر في الشمال، التي عادة ما يديرها مزارع وعائلته، لم تقتضي عمل السخرة، على الأقل ليس لدرجة كبيرة. وفي حين أن الرقيق في مستعمرات نيو إنجلاند والمستعمرات الوسطى عملوا بشكل أساسي في الموانىء في تحميل وتفريغ حمولات السفن، أولئك في الجنوب عملوا بشكل كبير في حقول المزارع.
واتبع نظام العبودية في المستعمرات الجنوبية النظام المؤسس من قبل مستمرة باربادوس الإنجليزية.
ويوضح الباحث آلان تايلور بالقول" لأن القانون الإنجليزي لم يوفر أي سابقة لإدارة نظام العبودية العرقية، اضطر سكان بربادوس الى إنشاء قانون الرقيق الخاص بهم، والذي تم منهجته عام 1661.
وأصبح القانون البربادي النموذج المقتدى به بالنسبة للقوانين السارية في المستعمرات الإنجليزية الأخرى، خاصة في جاميكا (1664) وكارولينا (1696)، وكلاهما نشأ كفروع لمستعمرة بربادوس. (213)
القوانين المتبعة:
- لا يسمح لأي عبد بمغادرة المزرعة العامل بها إلا بإذن مكتوب من سيده/ها.
- لا يسمح للعبيد العزف على أي آلة موسيقية، قرع الطبول، نفخ الابواق، أو إصدار أي أصوات عالية قد تدل على التمرد.
- يحق للشخص الأبيض سؤال أي شخص أسود عن وجهته في الشارع كما يحق لهم تفتيشهم، دون الحاجة لسبب، بحثا عن السلاح أو السلع المهربة.
- وتم تشجيع السود للوشاية على زملائهم السود، منع هروبهم، وتسليم الهاربين منهم؛ وتم مكافأتهم بالملابس الجديدة، وبالتعامل معهم بشكل أفضل، ومنحهم "شارة صليب أحمر توضع على الذراع اليمنى ليتم معرفته وتقديره كواحد من الأخيار" (تايلور، 213).
- وتم تأسيس قانون العبيد في جزر الهند الغربية بسبب خوف البيض العميق من أن عبيدهم سيرتدون عليهم وسيقتلونهم. وبحلول عام 1660، كان العبيد غير البيض يفوقون العبيد من البيض عددا في باربادوس بنسبة 27,000 إلى 26,000، كما أظهرت إحصائيات مستعمرات فرجينيا، ميريلاند، كارولينا (المنقسمة فيما بعد الى الشمالية والجنوبية) وجورجيا نسبا مماثلة. يعلق تايلور على هذا قائلا:
ورغم جهود القمع في المستعمرات الجنوبية تجاه السود إلا أن بعض التمردات تنفست، فتمرد ستونو عام 1739 في كارولينا الجنوبية يعد أكبر تمرد قام به العبيد في المستعمرات الثلاثة عشر.
وفي منتصف القرن ال19 أشعل كل من التوسع غربًا وحركة المطالبة بإلغاء العبودية جدلًا كبيرًا حول العبودية، ما أدى إلى إدخال السكان في أتون حرب أهلية مدمرة.
الحرب الأهلية:
وبلغ الجنوب نقطة الانهيار في السنة التالية إثر انتخاب المرشح الجمهوري أبراهام لينكولن رئيسًا، فخلال ثلاثة أشهر انسحبت سبع ولايات من الاتحاد، تبعتها أربع ولايات أخرى بعد اندلاع الحرب الأهلية.
ومع أنه كان من الواضح أن لينكولن لا يقر العبودية، لم يكن إلغاء العبودية الهدف الجوهري للاتحاد في الحرب، بل الحفاظ على الولايات المتحدة بوصفها أمةً واحدة.
ولاحقًا أصبح إلغاء العبودية هدفًا، نظرًا إلى الحاجة العسكرية وتنامي المشاعر المناوئة للعبودية شمالًا والتحرر الذاتي من العبودية لدى الكثيرين مع اجتياح قوات الاتحاد للجنوب.
ومع أن إعلان التحرير لم ينهِ العبودية بالكامل في أمريكا -إذ سيُمرَّر التعديل الثالث عشر بعد نهاية الحرب عام 1865- فإن نحو 186 ألف جندي أسود سينضمون إلى جيش الاتحاد، وسيفقد قرابة 38 ألف منهم حياته.
إرث العبودية:
أقر التعديل ال13 في 18 ديسمبر 1865- رسميًّا قرار إلغاء العبودية، لكن ظلت حالة السود في الجنوب بعد الحرب غير مستقرة، وواجهت الولايات المتحدة تحديات بالغة الأهمية في فترة إعادة الإعمار.
وضمَن الدستور حصول الرجال والنساء المستعبَدين سابقًا على حقوق المواطنة والحماية المتساوية في التعديل ال14، وحق التصويت في التعديل ال15، ولكن نادرًا ما طُبقَت هذه الأحكام من الدستور، وكان من الصعب على المواطنين السود الحصول على فرصة في اقتصاد ما بعد الحرب بسبب القوانين المقيدة والترتيبات التعاقدية الرجعية مثل المشاركة في المحصول.
ومع وجود أحداث غير مسبوقة، تجلَّت في مشاركة السود في الحياة السياسية الأمريكية، فإن فترة إعادة الإعمار كانت عمومًا محبطة للأمريكيين ذوي الأصل الإفريقي، فقد عادت إلى السطح مجددًا الحركة المنادية بتفوق العرق الأبيض، وصعود المنظمات العنصرية مثل كو كلوكس كلان في الجنوب عام 1877.