صنعاء- سبـأ: عبدالعزيز الحزي
عمدت دول الغرب وعلى رأسها أمريكا على مر السنوات الماضية الى استخدام الدعاية الإعلامية للترويج لأفكار معينة للتأثير على الرأي العام ولا تقل تلك الدعاية أهمية عن آلة الحرب، بيد أن العدوان الصهيوني على قطاع غزة نبه إلى حالة التحيز الشديد الذي تمارسه الآلة الإعلامية الغربية ضد الفلسطينيين ما أفقد وسائل الإعلام الغربية المصداقية وأسقطها في بئر سحيق بسبب فبركة أخبار وصور وتقارير ومقابلات متحيزة لتبرير العدوان الصهيوني.
ومع استمرار العدوان الصهيوني على غزة بلا هوادة، تستمر المأساة الإنسانية التي تحاول وسائل الإعلام الغربية حجبها بشتى الطرق.. وفي تغطيتها المتحيزة تبنَّت هذه الوسائل الدعاية الصهيونية سرداً وخطاباً، ما أدى إلى فقدان مصداقيتها بشكل واضح مؤخراً.
وما زالت الاتهامات بالتحيز في وسائل الإعلام الغربية، خصوصاً تجاه كيان العدو الصهيوني موضوعاً متكرراً على مختلف الفترات السابقة، لكن العدوان الصهيوني على غزة وما رافقه من مجازر وإبادة وحصار وتجويع بحق الفلسطينيين جاء ليجرف معه كل معايير المهنية والحرية والموضوعية التي كثيراً ما تغنت بها هذه الصروح الإعلامية المستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر في تجاهل الإبادة الجماعية والمجازر والحصار بحق المدنيين في قطاع غزة المدمر.
ويرى النقاد أن وسائل الإعلام الغربية غالباً ما تقلل من شأن معاناة الفلسطينيين أو تُهملها، مما يؤدي إلى تقديم رواية غير مكتملة ومتحيزة.
وأكد الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي خلال مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول التركية في وقت سابق أن "تغطية إعلام الغرب لحرب غزة تعكس العنصرية ضد الفلسطيني والمسلم".. مشيراً إلى ما اسماه "انحياز غربي إعلامي مطلق لـ(إسرائيل) يقوم على التعصب والعنصرية وتكرار الرواية الصهيونية دون أي بحث مهني".
وبحسب تحليل لـ"إنترسبت للتغطية الإعلامية الرئيسية"، فقد أظهرت تغطية "نيويورك تايمز" و "واشنطن بوست" و"لوس أنجلوس تايمز" للعدوان الصهيوني على غزة تحيزاً ثابتاً ضد الفلسطينيين.
كذلك وسائل الإعلام المطبوعة، التي تلعب دوراً مؤثراً في تشكيل وجهات النظر الأمريكية حول الصراع الفلسطيني الصهيوني لم تُعِر سوى القليل من الاهتمام للتأثير غير المسبوق لحملة الحصار والقصف الصهيوني على الأطفال والصحفيين في قطاع غزة.
وفي الوقت الذي تخلت فيه الحكومات الغربية عن تحمل مسؤوليتها في التحرك لمواجهة الروايات الموثوقة عن جرائم الحرب التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، سقطت الأقنعة مرة أخرى عن المعايير المزدوجة التي تتبعها وسائل الإعلام الغربية التي تزعم أنها منابر الحرية والديمقراطية بلعبها دور متحيز بشكل واضح لصالح كيان العدو الصهيوني (إسرائيل) بحسب مراقبين، ما زاد بشكل كبير انتشار المعلومات المضللة والتجرُّد من الإنسانية.
ولم تكتفِ وسائل الإعلام الغربية بتبني الرواية الصهيونية عن تفاصيل الحرب فحسب، بل نأت بنفسها أيضاً عن الموضوعية الصحفية، إذ أن تدمير غزة وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، جُلّهم من النساء والأطفال، لم يحظَ إلا بقدر ضئيل من التغطية في الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الغربية الأخرى، التي يغطي عشرات من مراسليها الحرب من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، في حين يوجد عدد قليل منهم على الأرض لتغطية الكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة.
وأبرزت وسائل إعلام الغرب بشكل غير متناسب الوَفَيات الصهيونية في الصراع من خلال استخدام لغة عاطفية لوصف عمليات قتل الصهاينة، في حين تجاهلت بشكل سافر مقتل الفلسطينيين الذين جرّدتهم من إنسانيتهم، إذ اعتبرت موتهم أمراً يوميّاً وطبيعيّاً للغاية لدرجة أن الصحفيين ينقلون خبره كما لو أنهم ينقلون أخبار الطقس في حين أن أولئك الذين تجرؤوا على رفع أصواتهم ضد الخسائر في أرواح المدنيين الفلسطينيين، أو الدعوة إلى وقف إطلاق النار، أو المناشدة من أجل وصول المساعدات الأساسية إلى غزة، جرى وَسْمهم بقسوة بكلمة "معاداة السامية".
وتكشف التقارير الإخبارية عن تجاهل متعمد من قبل وسائل الإعلام الغربية لكل ما هو فلسطيني ويعد أحد جوانب التحيز هو التأطير الانتقائي، إذ تختار وسائل الإعلام الغربية زوايا أو روايات محددة تتوافق مع تحيزاتها أو المُناخ السياسي السائد.
وفي حالة العدوان الوحشي الأخير على غزة، يرى النقاد أن وسائل الإعلام الغربية تميل إلى تأطير الصراع باعتباره ردَّ فعل على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس في السابع من أكتوبر 2023، مع التركيز على المخاوف الأمنية الصهيونية وتهميش الأسباب الجذرية للصراع، فضلاً عن تجاهل ردة الفعل غير المسبوقة عبر ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية على مرأى ومسمع العالم أجمع.
وتعمد وسائل الإعلام الغربية في التغطية الإعلامية الى تهميش وجهات نظر وتجارب ومظالم الفلسطينيين، إذ أن الافتقار للروايات المتنوعة يعزز الفهم أحادي الجانب للصراع، مما يؤدي إلى مفاهيم خاطئة حول الأسباب الجذرية والحلول المحتملة.
ويشير المنتقدون أيضاً الى ميل وسائل إعلام الغرب إلى إضفاء الطابع الإنساني على القتلى الصهاينة مع تجريد الضحايا الفلسطينيين من إنسانيتهم.. ومن خلال إضفاء طابع فردي على القصص الصهيونية وتقديمها بطريقة أكثر ارتباطاً، قد تسهم وسائل الإعلام عن غير قصد في خلق فجوة تعاطف تقلل خطورة الوضع بالنسبة للفلسطينيين، ولم يقتصر الأمر على انحراف هذه الوسائل الإعلامية بشكل حاد في تأطيرها المأساة وتجاهل الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق الفلسطينيين، بل تعمد تلك الوسائل الى نشر المعلومات المضللة، المتجذرة في روايات غير موثقة أو متناقضة أو كاذبة، كانت له عواقب إنسانية حقيقية على الأرض.
وطوال فترة الصراع، تعرضت وسائل الإعلام الغربية، بما في ذلك محطات البث التي تموّلها الدولة مثل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) وقناة DW الألمانية، ووسائل الإعلام العالمية مثل "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"تايمز أوف لندن"، و"سي إن إن"، و"فوكس نيوز"، لانتقادات واسعة النطاق لتكرارها الدعاية الصهيونية وتجاهل المجازر والإبادة بحق الفلسطينيين.
ولعل من أبرز الأسباب التي توضح سبب هذا الانحياز غير الأخلاقي هو نفوذ وسيطرة الصهيونية وأتباعها على أهم صروح الغرب الإعلامية وبينما يتم تبرير جرائم العدوان التي يرتكبها العدو الصهيوني تحت ذريعة "الحق في الدفاع عن النفس"، لا توجد حتى كلمة احتجاج على مقتل أكثر من 132 صحفي فلسطيني في العدوان المتواصل والمدمر على غزة الذي حوَّلها إلى أنقاض.