صنعاء- سبأ: مرزاح العسل
مع حلول شهر رمضان المبارك في ظل ظروف مأساوية مع استمرار العدوان الهمجي على قطاع غزة وتبخر آمال الهُدنة ووسط شبح المجاعة الذي يهدد سكان القطاع.. يُخيّم الحزن والبؤس والكآبة على الفلسطينيين، لا سيما في مدينة رفح التي يتكدّس فيها أكثر من 1.5 مليون نازح، ليجدوا أنفسهم فريسة الجوع والعطش حتى في شهر الخير.
ويأتي شهر رمضان هذا العام فيما تواصل سلطات العدو الصهيوني منع وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، خاصة إلى مناطق الشمال، فيما لا تكفي المساعدات التي تصل إلى جنوب القطاع حاجة المواطنين، خاصة في رفح التي تُعتبر آخر ملاذ للنازحين.
وفي أول ليلة من شهر رمضان المبارك تمكّن نحو 500 مصلٍّ من أداء صلاة التراويح في مسجد العودة، وهو الأكبر في رفح، فيما صلّى نحو 100 آخرين قرب مسجد الهدى المدمر في الشابورة، ولكن لم يتمّ توزيع الماء والتمور عليهم كما جرت العادة، ولم تتمّ إضاءة فانوس رمضان لانقطاع الكهرباء، واعتمد المصلون على هواتفهم وسط الظلام.
كما أقام سكان مدينة رفح صلاة التراويح بمسجد الفاروق المدمر في أول ليالي رمضان، حيث افترشوا الأرض لإقامة الصلاة، ولم يتركوا المساجد رغم العتمة والظلام، وأشعلوا القناديل متحدين عتمة المحتل والظلام الذي فرضه على القطاع.
وفي مخيم جباليا وبعد تدمير المساجد على يد العدو الصهيوني، قام الأهالي بتنظيم صلاة التراويح في الشوارع، في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، تعبيرا عن صمود الأهالي وعن تلاحمهم وتمسكهم بأرضهم ودينهم.
وبحسب الأمم المتحدة وشهادات السكان، يُخيّم شبح المجاعة على قطاع غزة المحاصر من قبل العدو الصهيوني الغاشم، والذي يعاني معظم سكانه نقصا في الماء والطعام والأدوية والوقود.
وتخلو أسواق رفح من مظاهر الزينة الخاصة برمضان مع فقدان معظم أصناف الطعام والخضراوات والحلوى، ما عدا بسطات قليلة تعرض بعض القطايف المحشوة بالمكسّرات أو الجبن بسعر يصل إلى 80 شيقلًا (22 دولارًا) للكيلوغرام، وهو ما يفوق قدرة معظم الناس.
وفي ميدان العودة وسط مدينة رفح، تعرض بعض البسطات فوانيس صغيرة، فيما يعرض شبّان معلبات التونة والفول والحمص والجبن وزبدة الفستق وتمورا مصرية اشتروها من نازحين حصلوا عليها كمساعدات، ويعرض آخرون بضعة أرغفة من خبز الصاج المخبوز على موقد حطب.
ويعُبر النازحون بلسان واحد عن ألمهم وحزنهم.. حيث يتساءل المواطن جمال الخطيب من سكان غزة: "لا يوجد أصلا طعام، فكيف سنفطر في رمضان؟ كيف سنفرح ولا مأوى ولا كهرباء ولا ماء؟".
وبعبارة (رغم الحرب والجوع.. رمضان كريم من غزة للعالم)، نشر الصحفي الفلسطيني محمد حجار صورة لجدارية في غزة احتفالا باستقبال شهر رمضان الذي يأتي هذه السنة على الفلسطينيين في ظل ظروف قاسية جداً مع استمرار العدوان الصهيوني على غزة، ووسط المجاعة التي تهدد أهالي القطاع بسبب سياسة التجويع الممارسة عليهم من قبل العدو.
ورغم المعاناة التي يعيشها أهالي غزة فإنهم استقبلوا شهر رمضان الفضيل بكل فرحة، وتداول رواد منصات التواصل الاجتماعي، والمواقع والصفحات فيديوهات عن غزة حملت شعارات (لن يسرقوا منا رمضان)، (الفرحة من بين الجراح).
وحرص أهل غزة رغم كل الألم والوجع على إظهار البهجة بحلول شهر الكريم وتعظيم شعائر الله، وإظهار حبهم وتعلقهم بالشهر الفضيل، واحتفى الأطفال على طريقتهم باستقبال أول ليالي رمضان.
وفي مخيمات النازحين، حضرت زينة رمضان لتضيء الخيم وسط فرحة للأطفال والأهالي بحلول الشهر الفضيل، هذا ما أظهره الفيديو الذي نشره الصحفي الفلسطيني مجدي فتحي عبر صفحته على إنستغرام.
وتفاعل نشطاء منصات التواصل مع الفيديوهات التي جاءت من قطاع غزة في أول ليالي الشهر الفضيل رغم كل ما يعيشونه من حرب وجوع، ووصفوا الشعب الفلسطيني "بالشعب العظيم".
ويواصل العدو الصهيوني ارتكاب الجرائم في حق المدنيين، حيث نشر الصحفي الفلسطيني هاني أبو رزق فيديو لعملية قصف قام بها جيش العدو على مدنيين في رفح، وعلق على المقطع.. قائلاً: "فبينما العالم الإسلامي يستعد للسحور في هذا الأوقات أهل غزة يُقتلون" وهذا بعدما قصف منازل المواطنين بمدينة رفح وتسبب بوقوع شهداء وإصابات ليصبح سحور أهل غزة عبارة عن قنابل وصواريخ.
وبينما فشلت كل مساعي تحقيق وقف إطلاق النار بحلول اليوم الـ156 للحرب الموافق لعشية بدء رمضان الذي بدأ الاثنين، في أغلب الدول الإسلامية، ارتفعت حصيلة الشهداء في قطاع غزة نتيجة العمليات العسكرية الصهيوني إلى أكثر من 31 ألف غالبيتهم من النساء والأطفال، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة في غزة.
وخلال شهر الصوم، تتجّه الأنظار نحو المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة الذي يشهد عادة صدامات ومواجهات خلال فترات التوتر والحروب.. حيث فرضت قوات العدو إجراءات أمنية مشددة بالبلدة القديمة.. أما في الضفة الغربية، فتبقى المخاطر مرتفعة إذ تستعد مدن جنين وطولكرم ونابلس لمزيد من الاشتباكات.
وعلى النقيض من السنوات السابقة لم تشهد البلدة القديمة الزخارف المعتادة، وسادت أجواء كئيبة مماثلة في البلدات بأنحاء الضفة الغربية المحتلة حيث اُستشهد نحو 400 فلسطيني في اشتباكات مع قوات الأمن أو المستوطنين الصهاينة منذ بداية الحرب في غزة.
ودعا رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية، الشهر الماضي الفلسطينيين إلى شد الرحال إلى المسجد مع بداية شهر رمضان.
والأحد، حمل هنية العدو الصهيوني مسؤولية تعثر محادثات وقف إطلاق النار ورفض مطلب الحركة إنهاء الحرب على غزة، لكنه قال: إن حماس لا تزال تسعى إلى حل عن طريق التفاوض.. مضيفاً: إن تل أبيب لم تتعهد بعد بإنهاء هجومها وسحب قواتها والسماح للفلسطينيين النازحين بالعودة إلى ديارهم في أنحاء القطاع.
وأوضح هنية في كلمة أذاعها التلفزيون عشية رمضان: "لا نريد أن نعطي اتفاقا لا ينهي الحرب ولا يعيد إخوتنا".
ويبدو أن الآمال في التوصل لوقف لإطلاق النار، والذي كان من شأنه أن يضمن مرور شهر رمضان بسلام ويسمح بعودة بعض الرهائن الصهاينة المحتجزين في غزة البالغ عددهم 134، قد خابت مع تعثر المحادثات في القاهرة.
وكتب المدير العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني في منشور على منصة إكس: إنه يتعين "وقف إطلاق النار (في رمضان) لأولئك الذين يعانون أكثر من غيرهم"، ولكن بالنسبة لسكان غزة "فإنه يأتي مع انتشار الجوع الشديد واستمرار النزوح والخوف والقلق وسط تهديدات بعملية عسكرية على رفح".
الجدير ذكره أن سكان قطاع غزة، الذي يتعرض لعدوان صهيوني متواصل براً وبحراً وجواً، يعيشون ظروفاً إنسانية غاية في الصعوبة، تصل إلى حد المجاعة، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود.