صنعاء - سبأ :
في قلب العاصمة صنعاء، دُشن المهرجان الوطني الأول للمانجو وسط جو مفعم بالأمل والتفاؤل، بعد اجتياز المزارعين مرحلة صعبة من التصدّي للشائعات المضللة، التي استهدفت الفاكهة، وأثّرت سلباً على تسويقها.
ومع بداية المهرجان الأحد الماضي، تبددت هذه الشائعات المُغرضة، واستعادت فاكهة المانجو اليمني رونقها وشُهرتها المعروفة عالمياً، لتتربّع على عرش الفواكه والمنتجات الزراعية؛ ما جعلها جديرة بالحفاظ على لقبها، كما يسميها الجميع "مَلِكة الفاكهة".
ويعتبر المهرجان محطة ترويجية لثمار فاكهة المانجو، ونقطة انطلاقة جادة نحو تطوير آلية تسويقها، ورفع كميات صادراتها، كونها من المحاصيل ذات الجودة العالية، التي تحظى بإقبال واسع من قِبل المستهلك محلياً وخارجياً.
ويحظى المهرجان، الذي تنظّمه وحدة تمويل المشاريع والمبادرات الزراعية والسمكية في أمانة العاصمة، واللجنة الزراعية والسمكية العليا، ووزارة الزراعة والري، بمشاركة وإقبال واسِعَين من المسؤولين والزوّار والمزارعين والمصدِّرين والأكاديميين والطلاب، ومختلف الفئات الاجتماعية.
ويُشارك في المهرجان، على مدى خمسة أيام، أكثر من 120 جهة، تشمل المصدِّرين والجمعيات الزراعية، ووكلاء محليين، بالإضافة إلى كبار المزارعين، وجمعيات تسويقية، وقرابة 30 من الأُسر المنتجة، التي تستخدم المواد الخام المحلية، إلى جانب منتجات محلية، منها العسل، والبُن، والحُبوب المحلية.
خطوة جادة:
وصف مسؤولون واقتصاديون المهرجان بأنه "خطوة إيجابية في الطريق الصحيح"، في إطار التوجّهات الجادة للدولة لأن تكون النهضة الزراعية محور المكوِّنات الاقتصادية والتغييرات الأساسية، التي تُحقق بموجبها الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.
وأشاروا إلى أهمية تطوير برامج القيمة للمنتجات المحلية، سواء كانت منتجات زراعية موجَّهة للتصدير أو برامج زراعية موجّهة للتصنيع، بما يُسهم في توفير فرص تسويقية للمنتجات الزراعية، ودعم مجالات القطاع الزراعي، وتعزيز دوره في الأمن الغذائي.
أكد نائب وزير الزراعة والري نائب رئيس اللجنة الزراعية والسمكية العليا الدكتور رضوان الرباعي، لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، أن المهرجان سيمثِّل انطلاقة جادة نحو تطوير آلية تسويق المانجو، ورفع كميات الصادرات الخارجية.
وحثّ على تنظيم مثل هذه المهرجانات للترويج والتسويق للمنتجات الزراعية، والتأكيد على جودتها التنافسية، وتشجيع المزارعين على التوسّع في زراعة مختلف المحاصيل، وزيادة الإنتاج، والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي.
وأشاد الدكتور الرباعي بمستوى الإقبال من قِبل الزوّار والمصدِّرين والمزارعين، الذي يعكس وعي المجتمع ومكافحته للشائعات والحملات، التي تستهدف الإضرار بالاقتصاد الوطني.
وتطرَّق إلى المساعي الجادّة لوزارة الزراعة والري، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، في دعم الصناعات المحلية، ومنها استخدام لُبّ المانجو في الصناعات المحلية، بديلاً عن الاستيراد من الخارج.. مبيّنا أن تلك الآلية ستُسهم في زيادة القِيمة للمنتجات المحلية، والإسهام في تشجيع الاستثمار الزراعي، وبالتالي إيجاد قيمة مضافة، وتعزيز مسار الشراكة بين القطاع الخاص والمجتمع.
فيما شدد المدير التنفيذي للهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، سام البشيري، على أهمية إقامة هذه المهرجانات للترويج للمنتجات الوطنية، وإبراز ما تمتاز به لجعلِها منافسة بقوّة في السوق العالمية.
وأكد أن الهيئة تعمل، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، على تقديم الدعم الفني والإرشاد والتوعية في جانب سلامة وفحص المنتج حتى يكون أكثر جودة وسلامة في السوق المحلية، فضلاً عن إبراز المنتجات بجودتها العالية للتصدير الخارجي.. لافتاً إلى أن الهيئة نفّذت، مع وزارة الصناعة والتجارة، برنامج تحويل مصانع العصائر لاستخدام خام المانجو المحلي بديلاً عن المستورد.
بدوره، اعتبر رئيس الهيئة العامة لتطوير تهامة، علي قاضي، المهرجانات الزراعية ركيزة أساسية في الأعمال التسويقية للمنتجات الزراعية خاصة المانجو، الذي تجود به تهامة بمختلف أصنافه؛ ومنها هذا المهرجان، الذي تشارك فيه جميع الجهات الرسمية إلى جانب العديد من الجهات الشعبية؛ مثل الجمعيات الزراعية، التي تهتم بالترويج لهذا المحصول وتسويقه، وأيضاً المصدّرين، الذين شاركوا في المهرجان.
وأكد أن التوسّع في زراعة هذا المنتج المهم يجب أن يتوافق مع ردم الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج؛ للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.
وحثّ قاضي المجتمع على مواجهة أي شائعات تستهدف المنتج الوطني.. منوهاً بجودة المنتج ومِيزته التنافسية العالية، التي تفوق كل المنتجات العالمية.
من جانبه، أشار مدير وحدة تمويل المبادرات والمشاريع الزراعية والسمكية في الأمانة، المهندس عبدالملك الآنسي، إلى أن المهرجان يعتبر أحد المشاريع التسويقية، ضمن سلسلة من المهرجانات التي ستشمل ثمار ومنتجات العنب والتفاح والتمور، وغيرها.
واعتبر هذه المهرجات فرصة كبيرة لدعم المبادرات الزراعية الجماعية والفردية، والتعريف بالمنتجات الوطنية، وجذب الاستثمار في الصناعات الزراعية المحلية.
وتطرّق الآنسي إلى الجهود المبذولة لتعزيز الاكتفاء الذاتي، ورفع إنتاجية القطاع الزراعي والسمكي لتحقيق تنمية مستدامة كتوجّه عام تبنّته القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي، وزيادة كميات الصادرات من المنتجات ذات المِيزة النسبية في السوق العالمية.
رئيس اللجنة التحضيرية للمهرجان - نائب مدير التسويق والتجارة الزراعية في وزارة الزراعة، علي الهارب، أشار إلى أن نجاح المهرجان رغم فترة إعداده القصيرة، التي لم تزدْ عن أسبوع واحد، يمثل نجاحاً للتنمية الزراعية ككل، في ظل الاهتمام الرسمي والشعبي بهذا الجانب.
وأشاد بالمشاركة الواسعة في المهرجان من قِبل المنتجين المحليين، والجمعيات الزراعية، ومصدِّري المنتجات الزراعية من تُجار ومسوِّقين ووكلاء، وأُسر منتجة، ومعامل الصناعات الغذائية، والجهات الرسمية ذات العلاقة.
وأكد أن الفعاليات، التي تضمنها المهرجان، حققت صدًى كبيراً في مكافحة الشائعات والترويج للمنتج وإظهار جودته حيث تحرص الدولة على تحسين طُرق تسويقه، وفتح أسواق خارجية جديدة.
أداة ترويج:
استطلعت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) آراء الأكاديميين والمزارعين والمصدِّرين وزوّار المهرجان، الذين أبدوا إعجابهم بهذه الخطوة التي أعادت الاعتبار لهذا المنتج الوطني بعد أن طالته حملة تشويه مغرضة، روَّجت لها بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ترتَّبت عليها خسائر متراكمة على المزارعين؛ بسبب كساد المنتج في الأسواق المحلية.
مدير قطاع نشر التقنيات في البحوث الزراعية - عضو المكتب الفني في اللجنة الزراعية والسمكية العليا، الدكتور شعفل عمير، أوضح أن المَعارِض تعتبر من أهم الأدوات لأي عملية ترويج؛ كونها تُعرّف القطاع الخاص والمستهلكين بجودة الثمار، ولذا فإن هذا المهرجان فرصة للقطاع الخاص ليقتنص جانباً استثمارياً في الإنتاج، أو في التسويق، أو في التصنيع.
وقال: "المانجو في اليمن -بأصنافه المتعددة وجودته العالية جداً- لا يضاهيه أي مانجو على مستوى العالم، إذ يتصدر اليمن القائمة العالمية في جودة الفاكهة، وأحث القطاع الخاص على الاستثمار في مجال المانجو، خصوصاً ونحن الآن نستورد لُبّ المانجو، وبودرة المانجو من الخارج، فيجب على القطاع الخاص الاستثمار في هذا المجال، سيما في ظل وفرة الإنتاج، والأسعار الرخيصة".
وأشار الدكتور شعفل إلى أنه لا يجب النظر إلى مصلحة المستهلك فقط، وإنما المنتج أيضاً لإحداث توازن، حتى لا يتضرر المنتج، سواء في المانجو، أو غيره من الفاكهة والخضراوات.
وشدد على ضرورة وجود خطة تسويقية تسعيرية تعطي للمزارع هامشاً ربحياً محفزاً للاستمرار في الزراعة بالمواسم القادِمة.
بدوره، وصف المزارع شايف حسان -صاحب مزرعة "حاتم النموذجية" في محافظة الحديدة- المهرجان بالجيِّد والرائع، وقدَّم مقترحا بأن تكون إقامة مهرجان المانجو في شهر مارس؛ أي في منتصف الموسم.. آملاً أن تتم الاستفادة من ذلك للمهرجانات القادِمة، مع منح فرصة كافية لشريحة واسعة من المزارعين للتحضير للمشاركة في فعاليات وأنشطة المهرجان، وكذا إتاحة فرصة لمناقشة مشاكل المزارع عن قُرب.
وقال: "المنتجات اليمنية من أفضل المنتجات العالمية، إلا أنه ينقصها جانب التسويق من خلال اتّباع الأساليب الحديثة، كما هو الحال في الدول الأخرى، ورغم أن المصدِّرين يعملون في هذا الجانب على مدى عقود، وتتوفّر لديهم الإمكانات لذلك، إلا أن الإشكالية لا تزال تتمثل في ممارسة الأساليب التقليدية".
وأضاف: "يجب أيضاً الاهتمام بالبحث عن أسواق جديدة، غير السوق الخليجية، حتى يتم ضمان تصدير المنتج، وعدم كساده، مع اتِّباع أساليب حديثة في تصنيف البضائع في مختلف دول العالم؛ كما هو الحال في مصر وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول".
وتابع حسان:"كما يجب حماية المزارع من حكر استغلال المصدِّرين للبضائع، وإيجاد تسعيرة موحّدة تضمن وصول المزارع إلى حقوقه كاملة دون الارتهان للمصدِّرين واستغلال حاجة المزارعين للبيع لتغطية تكاليف الإنتاج".
فيما أشار علي القادري -من مديرية الزيدية في محافظة الحديدة مشارك بجناح "القادري للعسل"- إلى أن مشاركته في المهرجان تأتي في إطار الاهتمام بدعم الإنتاج المحلي، وصد الشائعات التي طالت فاكهة المانجو.
وبيّن أن المهرجان حقق أكثر مما كان يتوقّع الوصول إليه.. مؤكداً أن مثل هذه المهرجانات فرصة مهمة للتعريف بالمنتجات، وبناء شبكة علاقات بين المزارعين والمصدِّرين.. لافتاً إلى أن عسل المانجو وجد إقبالاً كبيراً من قِبل الزوّار لجودته وفائدته الكبيرة، وأسعاره المناسبة.
واعتبر القادري المهرجان محطة للترويج، وإبراز جودة المنتجات، والتعريف بها محليا وخارجياً، إلى جانب الحفاظ على السمعة الطيِّبة التي انفردت بها معظم المنتجات الزراعية اليمنية، واحتلت الصدارة في الأسواق العالمية، وحملت اسم اليمن إلى كل بلدان العالم ك: البُن، والعسل، وغيرهما من المنتجات الزراعية.
ولفت إلى أنه لا يجب الاقتصار على مثل هذه المهرجانات فحسب، بل يجب أن يكون الاهتمام بهذا الجانب مستمراً طوال العام، خصوصاً فيما يتعلق بالتثقيف والإرشاد الزراعي للمزارعين، وتطوير الخدمات الزراعية، ودعم توفير مستلزمات ومدخلات الإنتاج الزراعي، وتوحيد الجهود للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.
وأجمع عدد من المزارعين -في حديثهم لـ"سبأ"- على خطورة انجرار المثقفين والمستهلكين خلف شائعات ليس لها أساس من الصحة.. لافتين إلى أن أغلب من قام بالترويج لحملة الشائعات استقوا معلوماتهم من مصادر غير موثوقة، وقاموا بالتغريد ونشر صور ومقاطع لظاهرة حدثت في مصر ودول أخرى، وليس في اليمن.
ورغم عدم إنكارهم تواجد حشرة الفاكهة في بعض الثمار المحدودة، إلا أنهم أكدوا أن المزارع حريص على بيع منتج سليم، وبالمقابل المصدِّر يعمل على فحص الثمرة.. داعين إلى استثمار هذا المنتج الوطني المتفرّد، والمساهمة في الترويج له، لما يمتاز به من جودة استثنائية بدلاً من تشويه سُمعته بشكل عشوائي وغير دقيق؛ يضر المزارع ويقلل الاهتمام بالإنتاج خلال المواسم القادمة.
معنويات مرتفعة:
بدوره، وصف إبراهيم زيدي -ممثل جمعية عبس التعاونية الزراعية- المهرجان بالرائع والمميّز؛ وذلك لدوره في رفع معنويات المزارعين، خاصة مزارعي المانجو الذين كانوا يشعرون باليأس والخسارة.
وقال: "هذا المهرجان رائع جدا وفي وقته، لقد رفع معنويات مزارعي المانجو إلى عنان السماء، وأنا واحد من أولئك المزارعين، شعرنا بالاطمئنان بأن الدنيا لا تزال بخير، وإن شاء الله سنحقق أرباحاً من عائدات ثمار المانجو".
ودعا زيدي إلى إقامة مثل هذا المهرجان بشكل مستمر، واعتماده سنوياً من أجل دعم مزارعي المانجو ومزارعي الفاكهة الأخرى.
بدوره، ذكر أمين عام جمعية زبيد الزراعية، محمد الحداد، أن "المهرجان يخدم المزارع والجمعيات، ويكمن دوره في دحض الشائعات من خلال إبراز جودة المنتجات، وإقامة الندوات والفعاليات، التي تقدِّم معلومات علمية دقيقة".
فيما أشار بلال الشرع -أحد مزارعي المانجو في مزارع الجر بالسهل التهامي- إلى أن "المهرجان رائع وجيّد، وفي وقته المناسب، وسيعمل على الترويج للمنتجات الزراعية".
وعبّر عن أمله في أن يصلح المهرجان ما أفسدته حملة الشائعات، ويعود الاعتبار للمنتج وللمزارع الذي عانى الكثير من هذه الحملة المغرضة.
بارقة أمل:
هيثم حسن -أحد المشاركين من أبناء مديرية باجل في محافظة الحديدة- أكد أن "المشاركة في المهرجان ممتازة جداً، حيث وجد المزارع رواجاً وسوقاً للمنتج في هذه الفعاليات، التي مثلت بارقة أمل للمزارعين، وبرزت فيه جودة المنتج".
ولفت إلى أن "الإقبال في المهرجان فاق التوقعات، والمواطن متفاعل بشكل كبير مع المنتج، وهذا يمثل حافزاً كبيراً للمزارعين في الاستمرار بعزيمة عالية خلال المواسم القادمة".
من جهته اعتبر محمد الكدم -أحد منسوبي "مؤسسة حمود الكدم للتصدير"- "المشاركة في المهرجان ممتازة وفاعلة؛ من خلال تفاعل المشاركين من مختلف شرائح وفئات المجتمع، ونأمل أن يدرك المجتمع القيمة الغذائية لهذا المنتج الوطني، الذي يتم بيعه بأسعار زهيدة لا تفي باحتياجات المزارعين في ظل جودة عالية ومنافسة".
وقال:"نحن نصدِّر للدول الخليجية وغيرها، وما زال التصدير مستمرا رغم حملة الشائعات؛ لأن المستهلكين في الخارج يدركون قيمة وأهمية المنتج، ونتمنَّى استمرار تنظيم مثل هذه المهرجانات بشكل سنوي".
من جانبه، أشار رئيس تحرير مجلة "مشاريع" الهندسية، الصحفي فؤاد الفتاح، إلى أن "المهرجان يعد من أفضل المهرجانات للترويج للمنتجات اليمنية الأصيلة؛ كونه أعاد الأمل إلى القلوب بعد الحملة الظالمة، التي استهدفت المانجو".
وتوقَّع أن يكون المهرجان منطلقاً مهماً لتحسين مستوى المزارعين، والإقبال على شراء المنتج محلياً، وإيجاد أسواق جديدة حتى في خارج البلاد.
وقال: "لم أكن أتوقّع أن يكون المهرجان بهذه الحفاوة والإقبال والزّخم، من حيث الإعداد، وإقبال الناس على المنتج".
وأضاف: "للأسف، كانت الأيام الماضية مظلمة لفاكهة المانجو حيث تعرَّضت لحملة شرسة من الشائعات، ألقت بظلالها المُخيفة على هذا المنتج، فالأنفاس البغيضة للشائعات انتشرت كالسموم المُهلِكة، إلا أن هذا المهرجان حمل في جعبته البشرى والأمل بإعادة الاعتبار لهذه الفاكهة".
واستطرد الفتاح: "المهرجان الوطني الأول للمانجو يجمع بين الحب للأرض، والتنوع الثقافي، والعراقة الزراعية، شاهدنا فيه حكايات الجِد والاجتهاد للمزارعين، ورغبة المواطن في دعم كل المنتجات الوطنية التي تحقق الاكتفاء الذاتي".
وتابع: "يجب أن يكون لدينا وعي كافٍ لمحاربة الشائعات، ولا نكون كسُفنٍ تعبث بها الأمواج المضادة، نتّجه فوراً إلى أغوار الإشاعات الصَّغيرة، فنُحكم قبضتنا على شائعة مُلتفّة حول فاكهة لذيذة كالمانجو، ونُفرد جناحي الشكوك بدل أن نقوى على الحقيقة، هذا ما حدث للمانجو في اليمن، حيث شُنت عليها حربٌ ظالمة لتشوّه سمعتها، وتضر بالمزارع والاقتصاد الوطني".
وأكد قائلاً: "فلنهتف بصوتٍ واحد، رافعين شعار المحبة واليقين: لا للشائعات، نعم للمانجو!؛ لأننا ندرك الآن أن المانجو ليست مجرد فاكهةٍ طيّبة الطعم، بل هي رمزٌ للقوة والصمود، تتحدَّى كل التحدّيات، وتعبِّر عن روح الشعب اليمني العزيز الداعم لمنتجاته الوطنية".
نكهة مميزة:
يشتهر اليمن بزراعة وإنتاج فاكهة متنوّعة ومميّزة، خاصة ثمار المانجو، التي تحظى بقبول واسع لدى المستهلك، سواء في السوق المحلية أو الخارجية؛ بسبب تفردها بطعم ونكهة مميّزة وجودة عالية.
مدير إدارة الإرشاد في الإدارة العامة للإرشاد بوزارة الزراعة، المهندس حفظ الله القرضي، أوضح أن "هذا العام من أكثر الأعوام وصولاً إلى مرحلة الامتياز في إنتاج المانجو، وأقل الأعوام تأثراً بحشرة الفاكهة؛ مقارنة بالأعوام السابقة".
وأشاد بدفاع المجتمع عن هذا المنتج المحلي وحمايته، وإبراز جودته.. معتبراً أن "المانجو من الفواكه التي تمتاز بقيمة غذائية وصحية عالية معروفة محلياً ودولياً، حيث يتم إنتاجه في بيئة آمنة وبطرق نظيفة وصحية تضمن سلامته من المنتج إلى المستهلك".
بدوره، أكد الباحث الزراعي في محطة البحوث والإرشاد الزراعي بتهامة، المهندس علي المقطري، أن "اليمن يمتاز بتوفّر أصناف مانجو من أفضل الأصناف، بما فيها التي تم إدخالها إلى البلاد في الثمانينات من الهند والسودان ومصر، وأمريكا وجنوب شرق آسيا، وهذه الأصناف ممتازة عالية الإنتاجية".
وأشار إلى أن "المناخ اليمني يتيح لهذه الأصناف الظهور مبكراً عن بقية دول العالم، وهذا ما يجعل اليمن سوقا كبيراً للتصدير".
وقال: "الهجمة، التي استهدفت المانجو، كان مبالغاً فيها، إذ أن الدُّود الذي يظهر بشكل محدود لا يشكِّل أي خطر، لكنها اُستغلت بشكل سيئ بهدف تدمير المنتج اليمني، وعملت كساداً في المانجو، وضياع حقوق المزارعين وتعبهم وجهدهم".
وأضاف: "هذا المهرجان يمثل بادرة مهمة لإيقاف مثل هذه الحملات الممنهجة، والعداء الكبير للمنتجات المحلية، والدفع بالمنتجات الوطنية إلى الأمام".
وبيّن المقطري أن المهرجان فرصة لمناقشة كيفية البحث عن أسواق جديدة، والدخول في عملية تسويقية للمانجو، وأوقات الجني للثمرة بشكل دقيق، وآليات التغليف، واستخدام الكربون بطرق صحيحة وعلمية، بما يحقق منافسة عالية في التصدير.
وتابع: "ندعو الدولة إلى التوجّه إلى هذا الجانب المهم، وتبدأ بالتفكير في إجراء برامج بحثية وإرشادية لمكافحة الآفات والأمراض التي تؤثر على المحصول؛ كونه محصولاً إستراتيجياً وطنياً، يُدر على البلاد ملايين الريالات سنوياً".
وشدد على ضرورة الاهتمام بعملية التسويق، وكسر احتكار السوق، وعدم إتاحة الفرصة للمصدّرين للتحكم بالثمار وبالسوق للشراء بأسعار زهيدة، والبيع بمبالغ كبيرة؛ كون المزارع يتحمّل تبعات هذه الإشكالية، ولا يصل إلى الحد الأدنى من حقوقه، وهو ما يجب على الدولة التدخل، وكسر هذا الاحتكار، إلى جانب إيجاد خطط إنتاج، وتغليف، وتصنيع، وتصديره إلى الخارج بشكل منظّم.
القيمة الغذائية:
يؤكد عدد من الدراسات أن فاكهة المانجو لها قيمة غذائية كبيرة، وتعد من الفواكه الاستوائية الغنية بالألياف الغذائية؛ مما جعلها تشتهر منذ القِدم في تهدئة المَعدة، وعلاج مشكلات الجهاز الهضمي والإمساك، والقولون العصبي، والبواسير.
وبحسب الدراسات، يحوي المانجو العديد من الفيتامينات والمعادن، فهو غني بالبوتاسيوم، والنحاس، وفيتامينات "ب6، ج، هـ، ك، أ"، وحمض الفوليك، و"النايسين" وغيرها، كما يساعد في السيطرة على ضغط الدم، وصحة الجهاز الهضمي، فضلاً عن كونه مفيدة لصحة الجلد والعيون، والوقاية من السرطانات.
ويعد المانجو نوعًا ما عالياً بالسعرات الحرارية، حيث أن كل 100 غرام منه يحتوي على ما يقارب 60 سعرة حرارية، وهذا ما قد يجعله نوعًا ما مفيداً في الحمية.
تطور زراعة أشجار المانجو :
شجرة المانجو شجرة مستديمة الخضرة، موطنها الأصلي الهند، تتبع العائلة الأناكاردية، وتزرع على نطاق واسع في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية من العالم، وتعتبر الهند وجنوب أفريقيا أكثر دول العالم إنتاجاً، وتنتشر زراعتها في الوطن العربي في مصر والسودان وعُمان والإمارات واليمن.
ووفقاً لعدد من الدراسات، فقد بدأت زراعة المانجو في اليمن، منذ منتصف القرن التاسع عشر، سنة 1844 في قصر سلطان لحج، وبستان السيركال، في مدينة الحوطة.
وبيَّنت الدراسات أن زراعة المانجو ظلت في مساحات محدودة في محافظات لحج، أبين والحديدة، لا تتعدى عشرات الهكتارات، وتزرع للاستهلاك المحلي. ومنذ سبعينات القرن الماضي، أولت الدولة اليمنية اهتماماً بهذا المحصول ضمن برامج خطط التنمية الزراعية؛ وذلك بإدخال أصناف جديدة، وأقلمتها، وتحسين الإنتاج كماً ونوعاً، وإجراء التجارب البحثية في محطات البحوث الزراعية المنتشرة في الجمهورية.
إنتاجية المانجو:
تشير تقارير رسمية إلى أن عدد أشجار المانجو المزروعة في اليمن حوالي مليونين و17 ألف شجرة.
وأوضحت بيانات "كتاب الإحصاء الزراعي" أن إنتاجية اليمن من فاكهة المانجو بلغت402 ألف طن تقريباً في مساحة تقدّر بأكثر من 26 ألف هكتار، خلال العام 2021م، ارتفاعاً من 291 ألف طن من مساحة قدرها 23 ألف هكتار، خلال العام 2018م.
وفي العام 2021، تصدّرت محافظة حجة قائمة المحافظات إنتاجاً للمانجو؛ بإنتاجية 202 ألف طن تقريباً من مساحة مزروعة قدرها 13 ألف هكتار، تلتها محافظة الحديدة بإنتاجية قدرها 167 ألف طن من مساحة تقارب 11 ألف هكتار.
ووفق إحصائيات وزارة الزراعة والري، شهد العام الماضي تصدير أكثر من 90 ألف طن من جميع أصناف المانجو.
في قلب العاصمة صنعاء، دُشن المهرجان الوطني الأول للمانجو وسط جو مفعم بالأمل والتفاؤل، بعد اجتياز المزارعين مرحلة صعبة من التصدّي للشائعات المضللة، التي استهدفت الفاكهة، وأثّرت سلباً على تسويقها.
ومع بداية المهرجان الأحد الماضي، تبددت هذه الشائعات المُغرضة، واستعادت فاكهة المانجو اليمني رونقها وشُهرتها المعروفة عالمياً، لتتربّع على عرش الفواكه والمنتجات الزراعية؛ ما جعلها جديرة بالحفاظ على لقبها، كما يسميها الجميع "مَلِكة الفاكهة".
ويعتبر المهرجان محطة ترويجية لثمار فاكهة المانجو، ونقطة انطلاقة جادة نحو تطوير آلية تسويقها، ورفع كميات صادراتها، كونها من المحاصيل ذات الجودة العالية، التي تحظى بإقبال واسع من قِبل المستهلك محلياً وخارجياً.
ويحظى المهرجان، الذي تنظّمه وحدة تمويل المشاريع والمبادرات الزراعية والسمكية في أمانة العاصمة، واللجنة الزراعية والسمكية العليا، ووزارة الزراعة والري، بمشاركة وإقبال واسِعَين من المسؤولين والزوّار والمزارعين والمصدِّرين والأكاديميين والطلاب، ومختلف الفئات الاجتماعية.
ويُشارك في المهرجان، على مدى خمسة أيام، أكثر من 120 جهة، تشمل المصدِّرين والجمعيات الزراعية، ووكلاء محليين، بالإضافة إلى كبار المزارعين، وجمعيات تسويقية، وقرابة 30 من الأُسر المنتجة، التي تستخدم المواد الخام المحلية، إلى جانب منتجات محلية، منها العسل، والبُن، والحُبوب المحلية.
خطوة جادة:
وصف مسؤولون واقتصاديون المهرجان بأنه "خطوة إيجابية في الطريق الصحيح"، في إطار التوجّهات الجادة للدولة لأن تكون النهضة الزراعية محور المكوِّنات الاقتصادية والتغييرات الأساسية، التي تُحقق بموجبها الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.
وأشاروا إلى أهمية تطوير برامج القيمة للمنتجات المحلية، سواء كانت منتجات زراعية موجَّهة للتصدير أو برامج زراعية موجّهة للتصنيع، بما يُسهم في توفير فرص تسويقية للمنتجات الزراعية، ودعم مجالات القطاع الزراعي، وتعزيز دوره في الأمن الغذائي.
أكد نائب وزير الزراعة والري نائب رئيس اللجنة الزراعية والسمكية العليا الدكتور رضوان الرباعي، لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، أن المهرجان سيمثِّل انطلاقة جادة نحو تطوير آلية تسويق المانجو، ورفع كميات الصادرات الخارجية.
وحثّ على تنظيم مثل هذه المهرجانات للترويج والتسويق للمنتجات الزراعية، والتأكيد على جودتها التنافسية، وتشجيع المزارعين على التوسّع في زراعة مختلف المحاصيل، وزيادة الإنتاج، والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي.
وأشاد الدكتور الرباعي بمستوى الإقبال من قِبل الزوّار والمصدِّرين والمزارعين، الذي يعكس وعي المجتمع ومكافحته للشائعات والحملات، التي تستهدف الإضرار بالاقتصاد الوطني.
وتطرَّق إلى المساعي الجادّة لوزارة الزراعة والري، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، في دعم الصناعات المحلية، ومنها استخدام لُبّ المانجو في الصناعات المحلية، بديلاً عن الاستيراد من الخارج.. مبيّنا أن تلك الآلية ستُسهم في زيادة القِيمة للمنتجات المحلية، والإسهام في تشجيع الاستثمار الزراعي، وبالتالي إيجاد قيمة مضافة، وتعزيز مسار الشراكة بين القطاع الخاص والمجتمع.
فيما شدد المدير التنفيذي للهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، سام البشيري، على أهمية إقامة هذه المهرجانات للترويج للمنتجات الوطنية، وإبراز ما تمتاز به لجعلِها منافسة بقوّة في السوق العالمية.
وأكد أن الهيئة تعمل، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، على تقديم الدعم الفني والإرشاد والتوعية في جانب سلامة وفحص المنتج حتى يكون أكثر جودة وسلامة في السوق المحلية، فضلاً عن إبراز المنتجات بجودتها العالية للتصدير الخارجي.. لافتاً إلى أن الهيئة نفّذت، مع وزارة الصناعة والتجارة، برنامج تحويل مصانع العصائر لاستخدام خام المانجو المحلي بديلاً عن المستورد.
بدوره، اعتبر رئيس الهيئة العامة لتطوير تهامة، علي قاضي، المهرجانات الزراعية ركيزة أساسية في الأعمال التسويقية للمنتجات الزراعية خاصة المانجو، الذي تجود به تهامة بمختلف أصنافه؛ ومنها هذا المهرجان، الذي تشارك فيه جميع الجهات الرسمية إلى جانب العديد من الجهات الشعبية؛ مثل الجمعيات الزراعية، التي تهتم بالترويج لهذا المحصول وتسويقه، وأيضاً المصدّرين، الذين شاركوا في المهرجان.
وأكد أن التوسّع في زراعة هذا المنتج المهم يجب أن يتوافق مع ردم الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج؛ للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.
وحثّ قاضي المجتمع على مواجهة أي شائعات تستهدف المنتج الوطني.. منوهاً بجودة المنتج ومِيزته التنافسية العالية، التي تفوق كل المنتجات العالمية.
من جانبه، أشار مدير وحدة تمويل المبادرات والمشاريع الزراعية والسمكية في الأمانة، المهندس عبدالملك الآنسي، إلى أن المهرجان يعتبر أحد المشاريع التسويقية، ضمن سلسلة من المهرجانات التي ستشمل ثمار ومنتجات العنب والتفاح والتمور، وغيرها.
واعتبر هذه المهرجات فرصة كبيرة لدعم المبادرات الزراعية الجماعية والفردية، والتعريف بالمنتجات الوطنية، وجذب الاستثمار في الصناعات الزراعية المحلية.
وتطرّق الآنسي إلى الجهود المبذولة لتعزيز الاكتفاء الذاتي، ورفع إنتاجية القطاع الزراعي والسمكي لتحقيق تنمية مستدامة كتوجّه عام تبنّته القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي، وزيادة كميات الصادرات من المنتجات ذات المِيزة النسبية في السوق العالمية.
رئيس اللجنة التحضيرية للمهرجان - نائب مدير التسويق والتجارة الزراعية في وزارة الزراعة، علي الهارب، أشار إلى أن نجاح المهرجان رغم فترة إعداده القصيرة، التي لم تزدْ عن أسبوع واحد، يمثل نجاحاً للتنمية الزراعية ككل، في ظل الاهتمام الرسمي والشعبي بهذا الجانب.
وأشاد بالمشاركة الواسعة في المهرجان من قِبل المنتجين المحليين، والجمعيات الزراعية، ومصدِّري المنتجات الزراعية من تُجار ومسوِّقين ووكلاء، وأُسر منتجة، ومعامل الصناعات الغذائية، والجهات الرسمية ذات العلاقة.
وأكد أن الفعاليات، التي تضمنها المهرجان، حققت صدًى كبيراً في مكافحة الشائعات والترويج للمنتج وإظهار جودته حيث تحرص الدولة على تحسين طُرق تسويقه، وفتح أسواق خارجية جديدة.
أداة ترويج:
استطلعت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) آراء الأكاديميين والمزارعين والمصدِّرين وزوّار المهرجان، الذين أبدوا إعجابهم بهذه الخطوة التي أعادت الاعتبار لهذا المنتج الوطني بعد أن طالته حملة تشويه مغرضة، روَّجت لها بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ترتَّبت عليها خسائر متراكمة على المزارعين؛ بسبب كساد المنتج في الأسواق المحلية.
مدير قطاع نشر التقنيات في البحوث الزراعية - عضو المكتب الفني في اللجنة الزراعية والسمكية العليا، الدكتور شعفل عمير، أوضح أن المَعارِض تعتبر من أهم الأدوات لأي عملية ترويج؛ كونها تُعرّف القطاع الخاص والمستهلكين بجودة الثمار، ولذا فإن هذا المهرجان فرصة للقطاع الخاص ليقتنص جانباً استثمارياً في الإنتاج، أو في التسويق، أو في التصنيع.
وقال: "المانجو في اليمن -بأصنافه المتعددة وجودته العالية جداً- لا يضاهيه أي مانجو على مستوى العالم، إذ يتصدر اليمن القائمة العالمية في جودة الفاكهة، وأحث القطاع الخاص على الاستثمار في مجال المانجو، خصوصاً ونحن الآن نستورد لُبّ المانجو، وبودرة المانجو من الخارج، فيجب على القطاع الخاص الاستثمار في هذا المجال، سيما في ظل وفرة الإنتاج، والأسعار الرخيصة".
وأشار الدكتور شعفل إلى أنه لا يجب النظر إلى مصلحة المستهلك فقط، وإنما المنتج أيضاً لإحداث توازن، حتى لا يتضرر المنتج، سواء في المانجو، أو غيره من الفاكهة والخضراوات.
وشدد على ضرورة وجود خطة تسويقية تسعيرية تعطي للمزارع هامشاً ربحياً محفزاً للاستمرار في الزراعة بالمواسم القادِمة.
بدوره، وصف المزارع شايف حسان -صاحب مزرعة "حاتم النموذجية" في محافظة الحديدة- المهرجان بالجيِّد والرائع، وقدَّم مقترحا بأن تكون إقامة مهرجان المانجو في شهر مارس؛ أي في منتصف الموسم.. آملاً أن تتم الاستفادة من ذلك للمهرجانات القادِمة، مع منح فرصة كافية لشريحة واسعة من المزارعين للتحضير للمشاركة في فعاليات وأنشطة المهرجان، وكذا إتاحة فرصة لمناقشة مشاكل المزارع عن قُرب.
وقال: "المنتجات اليمنية من أفضل المنتجات العالمية، إلا أنه ينقصها جانب التسويق من خلال اتّباع الأساليب الحديثة، كما هو الحال في الدول الأخرى، ورغم أن المصدِّرين يعملون في هذا الجانب على مدى عقود، وتتوفّر لديهم الإمكانات لذلك، إلا أن الإشكالية لا تزال تتمثل في ممارسة الأساليب التقليدية".
وأضاف: "يجب أيضاً الاهتمام بالبحث عن أسواق جديدة، غير السوق الخليجية، حتى يتم ضمان تصدير المنتج، وعدم كساده، مع اتِّباع أساليب حديثة في تصنيف البضائع في مختلف دول العالم؛ كما هو الحال في مصر وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول".
وتابع حسان:"كما يجب حماية المزارع من حكر استغلال المصدِّرين للبضائع، وإيجاد تسعيرة موحّدة تضمن وصول المزارع إلى حقوقه كاملة دون الارتهان للمصدِّرين واستغلال حاجة المزارعين للبيع لتغطية تكاليف الإنتاج".
فيما أشار علي القادري -من مديرية الزيدية في محافظة الحديدة مشارك بجناح "القادري للعسل"- إلى أن مشاركته في المهرجان تأتي في إطار الاهتمام بدعم الإنتاج المحلي، وصد الشائعات التي طالت فاكهة المانجو.
وبيّن أن المهرجان حقق أكثر مما كان يتوقّع الوصول إليه.. مؤكداً أن مثل هذه المهرجانات فرصة مهمة للتعريف بالمنتجات، وبناء شبكة علاقات بين المزارعين والمصدِّرين.. لافتاً إلى أن عسل المانجو وجد إقبالاً كبيراً من قِبل الزوّار لجودته وفائدته الكبيرة، وأسعاره المناسبة.
واعتبر القادري المهرجان محطة للترويج، وإبراز جودة المنتجات، والتعريف بها محليا وخارجياً، إلى جانب الحفاظ على السمعة الطيِّبة التي انفردت بها معظم المنتجات الزراعية اليمنية، واحتلت الصدارة في الأسواق العالمية، وحملت اسم اليمن إلى كل بلدان العالم ك: البُن، والعسل، وغيرهما من المنتجات الزراعية.
ولفت إلى أنه لا يجب الاقتصار على مثل هذه المهرجانات فحسب، بل يجب أن يكون الاهتمام بهذا الجانب مستمراً طوال العام، خصوصاً فيما يتعلق بالتثقيف والإرشاد الزراعي للمزارعين، وتطوير الخدمات الزراعية، ودعم توفير مستلزمات ومدخلات الإنتاج الزراعي، وتوحيد الجهود للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.
وأجمع عدد من المزارعين -في حديثهم لـ"سبأ"- على خطورة انجرار المثقفين والمستهلكين خلف شائعات ليس لها أساس من الصحة.. لافتين إلى أن أغلب من قام بالترويج لحملة الشائعات استقوا معلوماتهم من مصادر غير موثوقة، وقاموا بالتغريد ونشر صور ومقاطع لظاهرة حدثت في مصر ودول أخرى، وليس في اليمن.
ورغم عدم إنكارهم تواجد حشرة الفاكهة في بعض الثمار المحدودة، إلا أنهم أكدوا أن المزارع حريص على بيع منتج سليم، وبالمقابل المصدِّر يعمل على فحص الثمرة.. داعين إلى استثمار هذا المنتج الوطني المتفرّد، والمساهمة في الترويج له، لما يمتاز به من جودة استثنائية بدلاً من تشويه سُمعته بشكل عشوائي وغير دقيق؛ يضر المزارع ويقلل الاهتمام بالإنتاج خلال المواسم القادمة.
معنويات مرتفعة:
بدوره، وصف إبراهيم زيدي -ممثل جمعية عبس التعاونية الزراعية- المهرجان بالرائع والمميّز؛ وذلك لدوره في رفع معنويات المزارعين، خاصة مزارعي المانجو الذين كانوا يشعرون باليأس والخسارة.
وقال: "هذا المهرجان رائع جدا وفي وقته، لقد رفع معنويات مزارعي المانجو إلى عنان السماء، وأنا واحد من أولئك المزارعين، شعرنا بالاطمئنان بأن الدنيا لا تزال بخير، وإن شاء الله سنحقق أرباحاً من عائدات ثمار المانجو".
ودعا زيدي إلى إقامة مثل هذا المهرجان بشكل مستمر، واعتماده سنوياً من أجل دعم مزارعي المانجو ومزارعي الفاكهة الأخرى.
بدوره، ذكر أمين عام جمعية زبيد الزراعية، محمد الحداد، أن "المهرجان يخدم المزارع والجمعيات، ويكمن دوره في دحض الشائعات من خلال إبراز جودة المنتجات، وإقامة الندوات والفعاليات، التي تقدِّم معلومات علمية دقيقة".
فيما أشار بلال الشرع -أحد مزارعي المانجو في مزارع الجر بالسهل التهامي- إلى أن "المهرجان رائع وجيّد، وفي وقته المناسب، وسيعمل على الترويج للمنتجات الزراعية".
وعبّر عن أمله في أن يصلح المهرجان ما أفسدته حملة الشائعات، ويعود الاعتبار للمنتج وللمزارع الذي عانى الكثير من هذه الحملة المغرضة.
بارقة أمل:
هيثم حسن -أحد المشاركين من أبناء مديرية باجل في محافظة الحديدة- أكد أن "المشاركة في المهرجان ممتازة جداً، حيث وجد المزارع رواجاً وسوقاً للمنتج في هذه الفعاليات، التي مثلت بارقة أمل للمزارعين، وبرزت فيه جودة المنتج".
ولفت إلى أن "الإقبال في المهرجان فاق التوقعات، والمواطن متفاعل بشكل كبير مع المنتج، وهذا يمثل حافزاً كبيراً للمزارعين في الاستمرار بعزيمة عالية خلال المواسم القادمة".
من جهته اعتبر محمد الكدم -أحد منسوبي "مؤسسة حمود الكدم للتصدير"- "المشاركة في المهرجان ممتازة وفاعلة؛ من خلال تفاعل المشاركين من مختلف شرائح وفئات المجتمع، ونأمل أن يدرك المجتمع القيمة الغذائية لهذا المنتج الوطني، الذي يتم بيعه بأسعار زهيدة لا تفي باحتياجات المزارعين في ظل جودة عالية ومنافسة".
وقال:"نحن نصدِّر للدول الخليجية وغيرها، وما زال التصدير مستمرا رغم حملة الشائعات؛ لأن المستهلكين في الخارج يدركون قيمة وأهمية المنتج، ونتمنَّى استمرار تنظيم مثل هذه المهرجانات بشكل سنوي".
من جانبه، أشار رئيس تحرير مجلة "مشاريع" الهندسية، الصحفي فؤاد الفتاح، إلى أن "المهرجان يعد من أفضل المهرجانات للترويج للمنتجات اليمنية الأصيلة؛ كونه أعاد الأمل إلى القلوب بعد الحملة الظالمة، التي استهدفت المانجو".
وتوقَّع أن يكون المهرجان منطلقاً مهماً لتحسين مستوى المزارعين، والإقبال على شراء المنتج محلياً، وإيجاد أسواق جديدة حتى في خارج البلاد.
وقال: "لم أكن أتوقّع أن يكون المهرجان بهذه الحفاوة والإقبال والزّخم، من حيث الإعداد، وإقبال الناس على المنتج".
وأضاف: "للأسف، كانت الأيام الماضية مظلمة لفاكهة المانجو حيث تعرَّضت لحملة شرسة من الشائعات، ألقت بظلالها المُخيفة على هذا المنتج، فالأنفاس البغيضة للشائعات انتشرت كالسموم المُهلِكة، إلا أن هذا المهرجان حمل في جعبته البشرى والأمل بإعادة الاعتبار لهذه الفاكهة".
واستطرد الفتاح: "المهرجان الوطني الأول للمانجو يجمع بين الحب للأرض، والتنوع الثقافي، والعراقة الزراعية، شاهدنا فيه حكايات الجِد والاجتهاد للمزارعين، ورغبة المواطن في دعم كل المنتجات الوطنية التي تحقق الاكتفاء الذاتي".
وتابع: "يجب أن يكون لدينا وعي كافٍ لمحاربة الشائعات، ولا نكون كسُفنٍ تعبث بها الأمواج المضادة، نتّجه فوراً إلى أغوار الإشاعات الصَّغيرة، فنُحكم قبضتنا على شائعة مُلتفّة حول فاكهة لذيذة كالمانجو، ونُفرد جناحي الشكوك بدل أن نقوى على الحقيقة، هذا ما حدث للمانجو في اليمن، حيث شُنت عليها حربٌ ظالمة لتشوّه سمعتها، وتضر بالمزارع والاقتصاد الوطني".
وأكد قائلاً: "فلنهتف بصوتٍ واحد، رافعين شعار المحبة واليقين: لا للشائعات، نعم للمانجو!؛ لأننا ندرك الآن أن المانجو ليست مجرد فاكهةٍ طيّبة الطعم، بل هي رمزٌ للقوة والصمود، تتحدَّى كل التحدّيات، وتعبِّر عن روح الشعب اليمني العزيز الداعم لمنتجاته الوطنية".
نكهة مميزة:
يشتهر اليمن بزراعة وإنتاج فاكهة متنوّعة ومميّزة، خاصة ثمار المانجو، التي تحظى بقبول واسع لدى المستهلك، سواء في السوق المحلية أو الخارجية؛ بسبب تفردها بطعم ونكهة مميّزة وجودة عالية.
مدير إدارة الإرشاد في الإدارة العامة للإرشاد بوزارة الزراعة، المهندس حفظ الله القرضي، أوضح أن "هذا العام من أكثر الأعوام وصولاً إلى مرحلة الامتياز في إنتاج المانجو، وأقل الأعوام تأثراً بحشرة الفاكهة؛ مقارنة بالأعوام السابقة".
وأشاد بدفاع المجتمع عن هذا المنتج المحلي وحمايته، وإبراز جودته.. معتبراً أن "المانجو من الفواكه التي تمتاز بقيمة غذائية وصحية عالية معروفة محلياً ودولياً، حيث يتم إنتاجه في بيئة آمنة وبطرق نظيفة وصحية تضمن سلامته من المنتج إلى المستهلك".
بدوره، أكد الباحث الزراعي في محطة البحوث والإرشاد الزراعي بتهامة، المهندس علي المقطري، أن "اليمن يمتاز بتوفّر أصناف مانجو من أفضل الأصناف، بما فيها التي تم إدخالها إلى البلاد في الثمانينات من الهند والسودان ومصر، وأمريكا وجنوب شرق آسيا، وهذه الأصناف ممتازة عالية الإنتاجية".
وأشار إلى أن "المناخ اليمني يتيح لهذه الأصناف الظهور مبكراً عن بقية دول العالم، وهذا ما يجعل اليمن سوقا كبيراً للتصدير".
وقال: "الهجمة، التي استهدفت المانجو، كان مبالغاً فيها، إذ أن الدُّود الذي يظهر بشكل محدود لا يشكِّل أي خطر، لكنها اُستغلت بشكل سيئ بهدف تدمير المنتج اليمني، وعملت كساداً في المانجو، وضياع حقوق المزارعين وتعبهم وجهدهم".
وأضاف: "هذا المهرجان يمثل بادرة مهمة لإيقاف مثل هذه الحملات الممنهجة، والعداء الكبير للمنتجات المحلية، والدفع بالمنتجات الوطنية إلى الأمام".
وبيّن المقطري أن المهرجان فرصة لمناقشة كيفية البحث عن أسواق جديدة، والدخول في عملية تسويقية للمانجو، وأوقات الجني للثمرة بشكل دقيق، وآليات التغليف، واستخدام الكربون بطرق صحيحة وعلمية، بما يحقق منافسة عالية في التصدير.
وتابع: "ندعو الدولة إلى التوجّه إلى هذا الجانب المهم، وتبدأ بالتفكير في إجراء برامج بحثية وإرشادية لمكافحة الآفات والأمراض التي تؤثر على المحصول؛ كونه محصولاً إستراتيجياً وطنياً، يُدر على البلاد ملايين الريالات سنوياً".
وشدد على ضرورة الاهتمام بعملية التسويق، وكسر احتكار السوق، وعدم إتاحة الفرصة للمصدّرين للتحكم بالثمار وبالسوق للشراء بأسعار زهيدة، والبيع بمبالغ كبيرة؛ كون المزارع يتحمّل تبعات هذه الإشكالية، ولا يصل إلى الحد الأدنى من حقوقه، وهو ما يجب على الدولة التدخل، وكسر هذا الاحتكار، إلى جانب إيجاد خطط إنتاج، وتغليف، وتصنيع، وتصديره إلى الخارج بشكل منظّم.
القيمة الغذائية:
يؤكد عدد من الدراسات أن فاكهة المانجو لها قيمة غذائية كبيرة، وتعد من الفواكه الاستوائية الغنية بالألياف الغذائية؛ مما جعلها تشتهر منذ القِدم في تهدئة المَعدة، وعلاج مشكلات الجهاز الهضمي والإمساك، والقولون العصبي، والبواسير.
وبحسب الدراسات، يحوي المانجو العديد من الفيتامينات والمعادن، فهو غني بالبوتاسيوم، والنحاس، وفيتامينات "ب6، ج، هـ، ك، أ"، وحمض الفوليك، و"النايسين" وغيرها، كما يساعد في السيطرة على ضغط الدم، وصحة الجهاز الهضمي، فضلاً عن كونه مفيدة لصحة الجلد والعيون، والوقاية من السرطانات.
ويعد المانجو نوعًا ما عالياً بالسعرات الحرارية، حيث أن كل 100 غرام منه يحتوي على ما يقارب 60 سعرة حرارية، وهذا ما قد يجعله نوعًا ما مفيداً في الحمية.
تطور زراعة أشجار المانجو :
شجرة المانجو شجرة مستديمة الخضرة، موطنها الأصلي الهند، تتبع العائلة الأناكاردية، وتزرع على نطاق واسع في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية من العالم، وتعتبر الهند وجنوب أفريقيا أكثر دول العالم إنتاجاً، وتنتشر زراعتها في الوطن العربي في مصر والسودان وعُمان والإمارات واليمن.
ووفقاً لعدد من الدراسات، فقد بدأت زراعة المانجو في اليمن، منذ منتصف القرن التاسع عشر، سنة 1844 في قصر سلطان لحج، وبستان السيركال، في مدينة الحوطة.
وبيَّنت الدراسات أن زراعة المانجو ظلت في مساحات محدودة في محافظات لحج، أبين والحديدة، لا تتعدى عشرات الهكتارات، وتزرع للاستهلاك المحلي. ومنذ سبعينات القرن الماضي، أولت الدولة اليمنية اهتماماً بهذا المحصول ضمن برامج خطط التنمية الزراعية؛ وذلك بإدخال أصناف جديدة، وأقلمتها، وتحسين الإنتاج كماً ونوعاً، وإجراء التجارب البحثية في محطات البحوث الزراعية المنتشرة في الجمهورية.
إنتاجية المانجو:
تشير تقارير رسمية إلى أن عدد أشجار المانجو المزروعة في اليمن حوالي مليونين و17 ألف شجرة.
وأوضحت بيانات "كتاب الإحصاء الزراعي" أن إنتاجية اليمن من فاكهة المانجو بلغت402 ألف طن تقريباً في مساحة تقدّر بأكثر من 26 ألف هكتار، خلال العام 2021م، ارتفاعاً من 291 ألف طن من مساحة قدرها 23 ألف هكتار، خلال العام 2018م.
وفي العام 2021، تصدّرت محافظة حجة قائمة المحافظات إنتاجاً للمانجو؛ بإنتاجية 202 ألف طن تقريباً من مساحة مزروعة قدرها 13 ألف هكتار، تلتها محافظة الحديدة بإنتاجية قدرها 167 ألف طن من مساحة تقارب 11 ألف هكتار.
ووفق إحصائيات وزارة الزراعة والري، شهد العام الماضي تصدير أكثر من 90 ألف طن من جميع أصناف المانجو.